عام على محمد محمود ومجلس الوزراء ولم يتغير سوى “القاتل”

على الرغم من مرور عام كامل على أحداث مجلس الوزراء إلا أنني مازلت أذكر مشاهد أبنائنا البواسل وهم يواجهون نيران الشرطة، مازلت أذكر مشاهد الجنود وهم يعتلون أسطح العمارات حول منطقة مجلس الوزراء ويقومون بحركات وإيماءات يخجل لها الجبين لينتهكوا حياء الثائرات المصريات، مازلت أذكر مشهد تبول أحد الجنود من أعلى سطح إحدى العمائر على المتظاهرين…مازلت أرى مشهد الفتاة التي تم سحلها وتعريتها أمام العالم أجمع، مازلت أرى مشاهد ضرب وسحل عشرات الفتيات المصريات اللواتي كان كل جرمهن في الحياة هو المطالبة بحقوقهن والقصاص لشهداء ثورة يناير المجيدة، ومازلت أسمع صرخات الفتيات وهم يُسحلن ويتم التعدي عليهن بالضرب والسباب من خلال جنود للأسف مصريين…كما لازلت أسمع صرخات الأم الملكومه والدة الشهيد علاء عبد الهادي – طبيب الثورة، ومازلت أرى دموع زوجة الشهيد الشيخ عما عفت…

 

وعلى الرغم من أن هؤلاء الشهداء الأبطال قد نزلوا إلى الميدان للمطالبة بسرعة تسليم السلطة إلى رئيس مدني منتخب، وعلى الرغم من ظن البعض أن هؤلاء الشهداء سيكونون أخر دماء تسيل على أرض مصر بعد تولي الرئيس المنتخب الذي طالما نادى بوجوده الثوار إلا أنه وللأسف الواقع أثبت عكس ذلك فبعد مرور عام وبعد أن أتى الصندوق الانتخابي بأول رئيس مدني منتخب، سقط شهداء وجرحى جدد في ذكرى أحداث محمد محمود وكأنه كتب على الأمهات المصريات أن يحملن نعوش أبنائهم الشباب في نهاية كل عام، ولعل من أشهر الشهداء الذين سقطوا في أحداث محمد محمود هذا العام هو الشهيد “جيكا” الشاب الذي لم يبلغ من العمر 17 عاماً…سقط شهيداً لأنه خرج ليطلب من رئيس الجمهورية المنتخب أن يفي بوعوده ويستجيب لدماء الشهداء وكان يهتف جيكا بمنتهى الشجاعة “يا نجيب حقهم يا نموت زيهم” وفي الحال لبت الدولة دعوة جيكا وقررت أن تقتله في اعتراف صريح من سلطات الدولة أنها لن تأتي بحق الشهداء!

 

كنت أتمنى أن أكتب اليوم عن مصر ما بعد الثورة…مصر الجديدة…ولكن للأسف حتى مصر الجديدة أصبحت ملونة بدماء شهدائنا، مصر الجديدة المكان ومصر الجديدة المعنى، فمصر الجديدة بعد الثورة لم تختلف كثيراً عن مصر ما قبل الثورة، ولكن الذي أختلف هو منطقة مصر الجديدة وتحديداً في محيط قصر الاتحادية حيث سقط 8 شهداء ولكن في هذه المرة لم تتلوث أيادي الجنود المصريين بدماء أبنائنا بل كانت هناك أيادي جديدة، ففي مشهد أبكى عيون ألاف المصريين، ولأول مره في مصر يقف أبناء الشعب المصري أمام بعضهم البعض يتقاتلون.

 

فلازالت الصورة أمام عيني…صورة الفتاة التي يتم سحلها على يد الجنود وصورة شاهنده مقلد ويتم تكميم فمها بواسطة رجل ضخم ملتحي، صورة الطبيب الشاب علاء عبد الهادي وهو يسقط جراء طلقة نارية بالرأس جاءت من سلاح ميري وصورة الصحفي الحسيني وهو يسقط بطلقة نارية في الرأس أيضاً ولكن في هذه المرة من سلاح يحمله أحد الملتحين…صورة فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة وحرق الخيام على يد الشرطة وصورة فض اعتصام الاتحادية بالقوة وهدم الخيام على يد الملتحين…صورة ضرب وتعذيب الفتيات والشباب داخل مجلس الوزراء وسبباهم بواسطة أفراد الشرطة وصورة ضرب وسب وسحل الشباب المصري وربطهم مثل الرهائن أمام صور قصر الاتحادية على يد مجموعة من الملتحين.

 

حتى التصريحات لقادة التيار المتأسلم متشابهة فعقب أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء 2011 أعلنوا أن الشرعية الوحيدة تعود إلى مجلس الشعب المنتخب وليس لميدان التحرير وأن المتظاهرين أخطئوا عندما عادوا إلى الميدان والاعتصام، ونفس القادة أعلنوا في أحداث محمد محمود وقصر الاتحادية 2012 أن الشرعية الوحيدة الموجودة هي لرئيس الجمهورية المنتخب والذي أتى به الصندوق الانتخابي….ومئات الصور الأخرى المتشابهة في أحداث نوفمبر وديسمبر 2011 و أحداث نوفمبر وديسمبر 2012.

 

ولكن هناك فارق وحيد وهو الملتحين، فالملتحين المتاجرون باسم الدين قد جعلوا من أنفسهم دولة داخل الدولة واتخذوا من أنفسهم سلطة للضرب والاعتقال والتعذيب واستباحة دماء كل من يخالفونهم….الفرق الأساسي في المشهدين أننا في 2011 كنا ننتظر أن يأتي رئيس مدني منتخب ليثأر لدماء الشهداء ويحقق مطالب الثورة المصرية، ولكن في عام 2012 أصبحنا ننتظر أن تثأر السماء من جميع من أستباح الدماء المصرية.

 

الفرق الأساسي بين أحداث 2011 وأحداث 2012 أننا في أحداث 2011 كنا معارضين وثوار وكنا نواجه سلطة نظامية أما الآن فنحن فلول وكفرة ونواجه قوى ظلاميه تتاجر باسم الدين…وما أخطر هذه المتاجرة….فالسلطة الدينية أشد خطراً وضراوة من السلطة السياسية والعسكرية مهما بلغت قوتها.

Leave a comment